بسم الله نبدأ وعلى هدي نبيه نسير
حدثني بأنه وقع في أزمة شديدة احتار لها أيما حيرة، إن أباه وهو من أقرب الناس إلى قلبه يعترض طريق التزامه، وله سلوكيات يتمنى لو أنه أعطاه الفرصة لينصحه بتعديلها في ظل شريعة الرحمن، ولكن الوالد يرفض الاستماع لابنه المحبب، مع أن الولد لو طلب منه الدنيا لحاول جلبها من أجله؟
قال لي: هذه هي الأزمة التي ما بعدها أزمة، وهي المعادلة الصعبة حقاً! كيف أعدل من سلوك أبي وهو أبي؟؟؟؟ بالرغم من تأكدي بفرضية أداء الأمانة إليه، والأخذ بيده الحبيبة لطريق الحق!!!
قلت: أولاً أخي الحبيب لنضع بعض النقاط ثم نبحث عن الحل
أولاً: لا تكن عجلاً على أبيك، لأن بعض المجتمعات ومنهم مجتمعك، ابتعدت بهم الشقة عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى غدت غريبة عنهم، وأصبح أهلها غرباء في وسط أهلهم، لذا فمن الطبيعي أن يستغرب والدك بعض مفردات الشريعة العملية.
ثانياً: لكي نعود بالناس إلى حقيقة دينهم، وإهداء السنة لهم يجب أن نقدم النموذج العملي للمسلم، أي أن تدعو والدك بحسن سلوكك وخلقك وعملك، أن تقدم له ما تطيب به نفسه من بر له ولوالدتك، ومن رفق به وبالناس، ومن خلق حسن تمشي به بين أخوتك، وبين جيرانك ومن تتعامل معهم، من نبذ للبدع والمحرمات وعدم إتيانها عملياً، وتطبيق التوحيد الخالص تطبيقاً عملياً طيباً، أن تقدم له المثل في بذل الجهد من أجل إعلاء كلمة الله، من خلال بذل الجهد في تعلم هذه الكلمة ثم بذل الجهد في العمل بها، ثم بذل الجهد في توصيلها للناس، ولا تنس شيئاً هاماً، وهو أن والدك ينظر لك نظرة الأب، إلى ولده الصغير، فهو لا يراك قد كبرت أسنانك، ورجح عقلك واخترت سبيل الله الواحد على ما دونه من سبل، هو ينظر إليك على أنه هو الكبير ذو الرأي الرشيد، وأنت الصغير الذي قد يكون ما فيه الآن عبارة عن نزوة أو فكرة شبابية سرعان ما تمر، لذا فدعوتك له بفعلك وحسن خلقك وتطبيقك العملي لمفردات دينك هو خير ما تقوم به سلوك والدك، ثم عليك بالصبر والأناة، فالصبر الصبر، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].
وأخيراً هديتي لك، وصفة أفضل من السحرية فالسحر محرم، هي كالتالي: عندما تعرض قبلك شاب في بداية طريق الالتزام بشرع الله تعرض لما تعرضت فشق عليه ما شق عليك، فهداه الله لشيء، كلما أحس بالغربة بينه وبين أبيه، ابتعد عن أبيه وقت ثورته وأخذ يقرأ منفرداً في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلمس في شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفة الأب الحنون في خوفه على المسلمين، حبه إياهم، عطفه على صغيرهم، رحمته وشفقته وتوقيره لكبيرهم، إرشاده للمسلمين لما فيه صلاحهم وخيرهم، فكلما افتقد أحضان أبيه ارتمى في أحضان النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدها والله خيراً مما افتقده، فعليك في غربتك بكتاب الله، ثم بالاقتراب من شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستشعار محبته لك ولكل من يستن بسنته ويدعو إلى هديه، فإنه والله خير أب وخير أخ وخير صديق وخير من يرشدك إلى الطريق.
وهنا بالتأكيد - إن شاء الله - ستجد أباك يشاركك حبك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه والله هو الآخر في حاجة إلى أن يرتم في هذه الأحضان الدافئة أحضان النبوة الحنونة، فصلوا عليه وسلموا تسليماً.