قراته ... فاعجبني... فنقلته لكم.

يعرف فوكو الجنون بقوله: "إنّ الجنون يغري لأنّه معرفة. إنّه معرفة لأنّ كلّ هذه الصور العبثية تمثّل في الواقع عناصر معرفة صعبة، ومنغلقة، وباطنية". إنّ الجنون، على عكس ما هو سائد، أو بالأحرى ما كان سائدا، هو ضرب من المعرفة تتميّز بصعوبتها وانغلاقها وباطنيتها. فكيف يمكن أن تجتمع هذه العناصر الثلاثة لتكون معرفة نقيضة للمعرفة السائدة؟
لقد ساد مفهوم الجنون، في السابق، باعتبار المجنون شخصا ينبغي عزله وتهميشه داخل المجتمع، لما يمثّله من خلل وخلخلة للمنطق الذي يسير عليه المجتمع. هكذا اعتبر المجنون مفردا داخل المجتمع، وقد فقد كلّ شيء، عقله ومنطقه ودخل بسلوكه مجالات العبث واللامعنى. ويرد تعريف الجنون في الفهم العربي القديم، كما جاء في اللسان" في الحديث: اللهم إنّي أعوذ بك من جنون العمل أي من الإعجاب به، ويؤكّد هذا حديثه الآخر أنّه رأى قوما مجتمعين على إنسان فقال: ما هذا؟ فقالوا: مجنون، قال: هذا مصاب، إنما المجنون الذي يضرب بمنكبيه وينظر في عطفيه ويتمطّى في مشيته".

وبهذا يأخذ الجنون بعدا أخلاقيا، أي إنّ المجنون هو ذلك الذي يعجب بنفسه، ثم يذهب من جانب آخر إلى اعتبار المجنون هو ذلك الشخص الذي يفقد القدرة على التحكم في سلوكه، فتبدو عليه آثار اللامعقول في مشيته وحركات الجسد الذي يمتلكه هذا الفرد.

وعليه، فإنّ المجنون قد أسيء فهمه طوال هذا التاريخ الذي كانت تسوده هيمنة اللاهوت، والتي كانت تقسم العالم إلى قسمين: قسم كامل الخلق، ممن حباه الله العقل كي يعرف به الخالق، وقسم خارج عن طاعة الله، وبينهما يكمن هامش يسكنه كلّ من يفقد القدرة على التمييز، إذ "ظهر تاريخ الثقافة الغربية كما لو كان قصّة تحكي ما أنجزه العقل من فتوحات متلاحقة، وما استتبع ذلك من تراجع وكفّ لما أسماه هذا التاريخ بالجنون، ونقطة التحوّل في التاريخ، حسب ما يؤكد فوكو، إنما تكمن في ظهور فكرة الشكّ الديكارتي" فديكارت في تأمّله الأوّل، يطرد الجنون خارج حدود الثقافة، ويجرّده من لغته وينزل به إلى مستوى الصمت".

لقد أدرك فوكو في بداية مساره الفكري أنّ الجنون من القضايا التي تطرح نفسها بشدّة على الفكر الغربي، إذ وجد نفسه أمام قضيّة معقّدة جدّا، وهذا ما دفع به إلى البحث في تاريخ الجنون في الفكر الغربي، وهي الدراسة التي طرح فيها الكاتب مفاهيمه وأفكاره في ضوء ما توصّل إليه من نتائج وتصورات سيكون لها بالغ الأثر، فيما بعد، في تطوير منهجه "الأركيولوجي".

يدفع ديكارت بالجنون إلى مشارف "اللاوجود الفكري" مجرّدا إياه من لغته إلى أن يقف في درجة الصمت. إنّه صمت. وقد قام فوكو في كتابه "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" بالتأريخ للمراحل التي مرّ بها المجتمع الأوربي في علاقته بالخطاب عن الجنون، إذ تحدث عن أربع مراحل. فالمرحلة الأولى تتجسّد في القرن السادس عشر، حيث تمّت إزاحة الجنون عن قدسيته التي طالما اعتبر فيها الجنون علامة على القداسة، ومرتعا للحقيقة التي لها صلة بما هو إلهي؛ وهنا بدأ ينظر إليه من حيث هو اختلاف عن العقل والحكمة الإنسانية، من جهة، كما أنه يمثل وجها مطابقا لها من جانب آخر. وقد كان يضطلع بهذا الدور شخصية الحكيم المجنون كما أورده في "نقد الجنون".

ثم تلا ذلك قرنان هما السابع عشر والثامن عشر، وهي المرحلة التي أصبح فيها العقل نقيضا للجنون من حيث الاتصال والمجاورة. وهي المرحلة التي تمّ فيها نفي كلّ من وُسم بالجنون، وذلك بتهميشه وتصنيفه خارج المجتمع؛ أمّا المرحلة الثالثة فهي تتمثل فيما قدّمه كلّ من بينيل وتوك من جهود خلال القرن التاسع عشر، بحيث انصبّت أعمالهما على "تحرير" المجنون من التصور الذي ألحقهم بالمجرمين والمتسولين. وهنا عُدَّ المجنون "مريضا"؛ إذ الجنون مرض نفسي ّيمثل مرحلة في تاريخ تطور الشخصية، وهي بذلك تعبير عن طفولة لم تَنْمُ، وهكذا تمّت إعادة المجانين إلى دائرة البشر. لكن المرحلة الرابعة وهي التي تتحدّد بفترة القرن العشرين، وفيها تمّ تقليص المسافة الفاصلة بين العقل والجنون، خصوصا بعد الاكتشافات المذهلة التي حققها الطبّ النفسيّ على يد فرويد، الذي إلى جانب آخرين، حاول أن يقف عند المعقول وطبقات اللامعقول مع البحث عن مناهج تعيد اكتشاف المجنون.

كل المراحل الأربع التي ميّز بينها فوكو، تتقاسم نقطة مشتركة وهي أنّ التمييز بين الجنون والعقل، وبين المرض والصحة، وبين الحق والباطل، قد شكل تجليا من تجليات الخطاب السائد داخل مراكز القوى الاجتماعية في مختلف هذه العصور. وهو خطاب لم يتمكن من تحقيق تفاعل مستقل ذاتيا بين الافتراض والملاحظة، الأمر الذي اعتبره فوكو نتيجة تفاعل لانهائي بين الرغبة والقوة داخل نظام استعبادي، وهو ما يكشف عن التطور لدى الإنسان الغربي في التاريخ الحديث، بكونه لم يكن تقدميا أو مستنيرا، وذلك بما أباحه وكرسه من استعباد المجتمع لبعضه بعضا (هيدين وايت؛ ميشال فوكو).

وبهذا يكون فوكو قد جعل من بعض مواطن العبقرية قريبة من الجنون، أي إنها تشتمل على ضرب من ضروب الجنون، وهو ما أطلق عليه "اللاعقل". وهكذا وجدنا دريدا يعتبر موقف اللغة من الجنون عبارة عن إستراتيجية ذات طابع دفاعي ووقائي، غير أنه مع ذلك يبقى للجنون لغة ومنطقه، مثله في ذلك مثل العقل، وهذا ما عبر عنه هاملت قائلا: "إذا كان هذا جنونا إلا أنه يحمل بداخله منهجا".

ثم يأتي الحلم كحلقة تصل بين العقل من حيث هو منطق والجنون من حيث هو نقيض له، وهنا يطالعنا أبو حيان التوحيدي في مقابسته السادسة والعشرين، قائلا:

»اعلم أنّ اليقظة التي لنا بالحسّ هي النوم، والحلم الذي لنا بالعقل هو اليقظة. ولغلبة الحسّ علينا قد اتفقنا أنّ الأمر بخلاف هذا. وإلا فغلب العقل مكان الحسّ يتصدّع لك الحقّ في هذا الحلم. فإذا وضع هذا فبالواجب ينبغي أن ينتقص من الحس وإن ظننا أن اليقظة من ناحيته، والتبس بالعقل وإن ظننا أن الحلم من ناحيته". فإذا كان الحلم هو الجسر بين العقل واللاعقل، فإنّ العقل المتعقل يظل محدودا ولا يشتغل إلا وفق نظام من السلطة التي يحكمها المنطق ويتمرد عليها الجنون عبر طريق خلخلتها وانتزاعها من واقع الإدراك، وإلا فإن الجنون لن يكون سوى الجزء المتبقي من أسرار العقل..إنه تجربة تواصل مع النسخة المغيبة من العقل الذي يعني إدراكا للحقيقة بمعان أخرى. يقول أندريه جيد: "إن أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل، ينبغي التموقع بينهما بالقرب من الجنون حيث نحلم وبالقرب من العقل حيث نكتب".

لقد ضاع الجنون بفعل"التمنطق المزدوج" والعنيف تم تسطيح كل الإدراكات وتراجعت الاستكشافات الباطنة لينتهي كل شيء إلى عقل هو اللاعقل، وإلى منطق مختل هو اللامنطق..فهل يمكن اعتبار الجنون هو الآلة التي تساعد على تفجير الأسرار المعقدة التي تأوي إليها الحقائق؟ أليس للأدب علاقة متينة بالجنون؟

يعملنا تاريخ الأدب، أن كبار المبدعين كانوا مجانين، فمن ينفي جنون هولدرلين ونيتشه وأرطو ودوستويفسكي؟ وهل يعني هذا أن الجنون هو ضرب من التفجير والبوح ببواطن الحقيقة، ومن ثم يكون الإيمان بالحقيقة هو الجنون عينه كما قال نيتشه؟ إن الجنون العظيم كان وراء الأعمال العالمية الكبرى التي تفيض إبداعا، ومن هنا فإن الكاتب الحقيقي هو الذي يكون مسكونا بجنون النفاذ إلى عمق الأشياء وكنهها بحثا عن الحقيقة. إنه الجنون باللغة. لذلك ينبغي لنا البحث عن ملامح الجنون في الممارسة اللغوية ذاتها، والتي تجرنا إلى طرح السؤال التالي: هل يمكن اعتبار الجنون ممارسة لغوية قصوى، من حيث إن اللغة بناء وهدم في الآن نفسه، تحليل وتركيب.. كتابة عاقلة وجنون يجنح نحو تأسيس اختلالات قد تكفي لوحدها لتعلن عن حقائق لا يمكن الوصول إليها إلا بتكسير العقل المصلحي؟!
__________________
( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ )

القرآن الكريم / سورة آل عمران

مشكورة حبيبتي

يسلمو

ووووووو

تقبلي مروري

ووووو حنان

حنان

شكراااااا نديم

على المرور

مشكووووووووووووووووورة

ثانكس يا عسولة

تقبلى مرورى

دموع

سماحووو

اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا
لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير
سبحاااان الله
والحمد لله
والله اكبر
والله أعلم
والله المستعان
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لااله الا انت استغفرك واتوب اليك