صورة الإنسان الفلسطيني في شعر الأرض المحتلة
24-8-2010
بعد النكبة عام 1948 التي أدت إلى تهجير الآلاف من أبناء فلسطين إلي الدول العربية المجاورة عاش الانسان الفلسطيني فترة من الضياع بسبب هول الفاجعة التي ألمت به ، وأحسّ بفراغ كبير يلفّ وجوده ، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى وعيه وهو ابن الشعب المتمرس في النضال ، الذي يعرف كيف يضمد جراحه بيديه ، وكيف يبدأ من جديد 000 تحسس جراحه ، وعرف موطن الداء وحجم المؤامرة التي حيكت ضده فآثر أن يبدأ بتنظيم نفسه من جديد بحذر شديد وإيمان
مطلق بالقضية التي لا يمكن المساومة عليها وبدأ مسيرته الشاقة والطويلة من أجل لقمة العيش وتأمين حياة كريمة ، ومن ثم العمل في اتجاه وطني لاسترجاع الحق المسلوب 0
ولم يكن الشعر بعيداً عن هذه الأحداث بل كان الشعراء أكثر معاناة وأشد تحسساً من غيرهم فأخذوا دورهم في ساحة الصراع وعبروا عن الظروف القاسية التي عاش فيها الفلسطيني 00 عن الفقر ، والحرمان ، والقهر ، والشقاء في الخيام والمعسكرات يقول معين بسيسو مصوراً حالة تشرد شعبه وأهله :
لم يترك السيل غير الحبل والوتد
من ذلك الشعب أو من ذلك البلد
وغير بعض العرايا الساحبين على
تلك الوحول بقاياهم من الولد
هنا حطام هنا موت هنا غرق
هنا بقايا رغيف عالق بيد
هنا العيون التي تصطك ميتة
هنا الشفاه التي تدعو لثأر غد
مع بداية المأساة الفلسطينية يمكننا القول أنّ هذه الصورة عادية بالنسبة لشعب فقد أرضه ووطنه وعاش في الخيام والشتات لكن رغم كل صنوف الفقر فإنّ الشفاه هنا تدعو للثورة وللثأر لاستعادة الأرض والبيت والوطن 0
أما الشاعر أبو سلمى رغم تصويره للمأساة بكل أحزانها وقهرها فإنه لا يتوانى عن تصوير بطولات الفلسطيني الذي هو الأمل 00 وهو الذي سينير الطريق بدمه ، ويحرر الأرض يقول في ديوانه « المشرد» :
وبطولاتكم بطولات أهلي
قد وعاها الزمان دون تراجم
طهروها بالنار من كل رجس
وامسحوا عن جبينها كل ظالم
أنتم أنتم طلائع شعبي
أطلقوا الشمس من وراء الغمائم
كما ظهرت في نتاج الشعراء صورة للانسان الفلسطيني تختلف عن صورة الانسان المشرد تتمثل في الكفاح من أجل البقاء والشاعر حنا أبو حنا من أوائل من كتبوا في هذا المجال مفتخراً ببطولات هذا الشعب الصنديد المقاتل :
يا أخوتي
في السجن نحن تلهف الشوق الشديد
لسماع أصداء النضال
وقصف زمجرة الأسود
قصص تثيرالفخر
والاعجاب بالشعب المجيد
قصص توشيها البطولة
بالبسالة والخلود
ومواقف مشهودة للبأس
والحق 00 العنيد
ويرتفع صوت آخر من الأرض المحتلة يسير على الوتيرة نفسها هو صوت الشاعر محمود درويش لكن بلغة أقوى وأشد تتجلى فيها المقاومة الحقيقية والصمود حيث الشعب المدرع بالرعود والجماهير التي تستفيق من أجل النضال :
إني عرفت الدرب يا شعبي المدرع بالرعود
حيث الجماهير الغفيرة تستفيق من السجود
حيث الجماهير التي سارت على لهب النشيد
يا أخوتي ! لن يحطم الصخر الأصم سوى الحديد
وعروسنا الحمراء ليس يزفها غير الصمود
والحق لن تشريه غير النار يا شعب الخلود
وبعد مرور أعوام على النكبة تتغير لغة شعراء فلسطين فتظهر لغة التحدي الغاضب 00 فالفلسطيني لا يخاف السلاسل ولا القيود ولاالعواصف الهوجاء لأنه مؤمن بقضيته ، ومؤمن بحقه ، ومؤمن بأنّ ظلمة الاحتلال لا بد أن تزول مهما طال الزمان يقول معين بسيسو:
أنا لا أخاف من السلاسل فاربطوني بالسلاسل
من عاش في أرض الزلازل لا يخاف من الزلازل
لن تطفئوا مهما نفختم في الدجى هذي المشاعل
الشعب أوقدها وسار بها قوافل في قوافل
أنا لا أخاف من العواصف فاعصفي بي يا عواصف
أنا لي رفاق في دمي تدوي رعودهم القواصف
ومن داخل الأرض المحتلة تبرز صورة الانسان الفلسطيني الصامد الأعزل السلاح الواثق من نفسه ومن قدرته على الصمود وهذا يظهر في ديوان توفيق زياد « أشد على أياديكم »
وعنوانها : بأسناني :
بأسناني
سأحمل كل شبر من ثرى وطني بأسناني
ولن أرضى بديلاً عنه
لو علقت من شريان شرياني
أنا باق
أسير محبتي 00 لسياج داري
للندى 00 للزنيق الحاني
أنا باق
ولن تقوى عليّ جميع صلباني
أنا باق سأحمي كل شبر من ثرى وطني بأسناني
وهنا تأكيد على لغة البقاء مهما كانت الضغوطات والقتل لأنّ الفلسطيني متمسك بكل ذرة تراب من أرضه الطاهرة وهذا ما يؤكده الشاعر سالم جبران في قصيدة له :
كالسنديان هنا سنبقى
كالصخور
كعرائس الزيتون
كالخروب في أعلى الجبال وكالنهور
كحمائم البرية الخضراء ، أنّا سوف نخفق
فوق أرضك يا بلادي كالنسور
وهنا نجد في هذه الصورة التي يرسمها للفلسطيني رومانسية جميلة مع الطبيعة التي تشارك الانسان أحزانه ومأساته وفرحه وألمه وحبه وتعلقه بأرضه :
كما تظهر في أشعار شعراء الأرض المحتلة صورة الفلسطيني الفدائى الذي رسم لنفسه درب النضال ولم يحد عنه أبداً ففي « قصة فدائي من المغازي » يصور الشاعر هارون هاشم رشيد قصة حمدان الذي فوجىء بموت زوجته وابنه على يد الصهاينة في أحد الكهوف فينضم للصفّ الفدائي معلناً غضبه و وثورته وتصميمه على الثأر ويقول الشاعر في ديوانه « مع الغرباء » :
ومضى حمدان 00 وانضم إلى الصف الفدائي
ثابت الخطو 00 يدوس الأرض مشبوب الرجاء
دافعاً منكبة الحر عريق 00 الكبرياء
تتخطى جبهة الشمس إلى أعلى سماء
أين يمضي ..؟ إنه في الدرب ..درب الشهداء
نسي الدنيا وما فيها سوى صوت الدماء
صاخباً 00 يدفعه قدماً بعزم ومضاء
ولم ينس الشاعر الفلسطيني تصوير من هم في المعتقلات والسجون حيث الرطوبة والعفونة والحياة الصعبة يقول الشاعر حنا أبو حنا الذي تعرض للسجن كغيره من شعراء الأرض المحتلة في قصيدة له عنوانها « شعب أنا » :
وحدي أنا في غرفة صفراء كالحة الجبين
وحدي وضعت وقال لي الشرطي :
أنت هنا سجين
حريتي خطر على أمن الطغاة الحاكمين
فتوهموا أن يحبسوها خلف جدران السجون
وهكذا نجد أن صورة الانسان الفلسطيني كانت تتطور مع الأحداث وتنتقل من حال الى حال أما اللغة فمرة تكون حزينة.. ومرة تعلو تتحدى الصعاب وتحرض على الثورة 00 تعلن الغضب ولا تأبه لوحشية العدو لأنّ المؤمن بقضيته أقوى بكثير من هؤلاء الدخلاء الذين أخذوا حق الآخرين واستلبوا خيراته .
مشآركآتي
العمر
