فلتبكيك السماء يا أبي

هانحن على ميعاد لنودّع الشهر الأول من السنة الجديدة ... سنة 2010 والتي بدأت بفقد .. حزن .. ألم .. دموع ...
سماؤنا ملبدّة .. غيوم تتسابق لتخفي خلفها نجوم لامعة تأبى إلا الظهور واللمعان .. ذهب ببصره بعيداً إلى ماوراء تلك النجوم .. رحل إليها .. ليتراقص معها دونما أن نراه .. فالغيوم قد أخفت كليهما ...
أغدقني حباً ملأ حياتي بالسعادة فلم أكن أرى سواه مصدراً لسعادتي أو مخففاً لحزني.. كلامه يرن في أذني سائر وقتي وضحكاته تنقلني إلى أعذب سيمفونية تعزفها أمهر فرق الأوركسترا ... صورة وجهه الطاهر لاتفارق عيني ... أتانا الخبر صباح هذا اليوم .. حلّ علينا كصاعقة من السماء .. مات أبي ... مات أبي ..مات ولن يجدد سعادتي .. مات ولن يخفف حزني ... مات ولن يضاحكني مجدداً ... مات ولم أره .. مات ولن أره .. مات ولن يربت على رأسي كما كان يفعل دوماً ... مات وهو بعيد عن أسرتي .. مات في غربته .. مات وهو يكد في عمله ليأمّن لنا الحياة الكريمة .. الحياة التي لن يعود فيها ما يسّر بعد غيابه ... مضى وقت طويل مذ آخر مرة إلتقينا بها .. كانت لحظات قليلة .. تكاد تكون دقائق معدودة .. رأيته في المطار خلال مروره ليسافر لتلك الدولة ... حاولت حينها أن أنظر له بإمعان وحرص شديدين .. لم أكن أريد أن أضيع أي ثانية في النظر حول أي شيء سواه ... وكأن قلبي كان يشعر أن هذه هي المرة الأخيرة التي سأراه بها .... أبي ... أبي .. أبي
هذه هي الليلة الأولى لأبي في عالم الأموات .....
فاعزفي يا ورود أهزوجة لامنقطعة لفراقه ... أهزوجة لم أسمعها قط .. ولن يكررها العالم من بعده ... أرقصي وتمايلي حزناً وألماً في بستان الوداع ... واجعلي مطر السماء دموعك ... فهذا الرجل هو الذي دعونا الله ورجوناه أن يجمعنا به في بيت واحد ... وأن نودّع الغربة التي أخذته منا سنون طويلة ... لله درك ياأمي كم تحملتي هذا البعد .. حالي يكتب ويبوح مابه من حزن .. فماذا أنت صانع؟؟
عزاؤنا في فراقه هو أننا في دار لقاء لا دار بقاء .. سنلقه في جنان خلد .. جنان النعيم .. سيلتئم جرحنا وسيلم شملنا ... فلاغربة بعدها ... ولا سفر ... ولا وداع
مات أبي وماتت أسراره معه ... وماتت أحلامه ...
علمنا حب الله ورسوله .. علمنا حب الوطن ... سأحافظ على كل ما علمتني اياه يا والدي .. عهدُ أقطعه على نفسي ما حييت ... أودّعك اليوم يا أبي وأنا أذرف دموعاً تكاد تحرق وجنتي ... أودعك معاهد ........
معاهدً لك أن أسقي تلك الشجرة التي زرعتها بقلبي والتي ستنمو بداخلي يوماً بعد يوم ... وكأنك بقربي ... تلك الشجرة ذاتها التي ستحمل أوراقاً مكتوبة عليها حب اللـــــــــــــــــــه .... حب سيدنا محمــــــــــد .... حب الوطـــــــــــن

سيصل جثمانك هذه الليلة ... بعد إنقشاع هذه الغيوم وسواد الليل ... سيأتي الفجر وهو الفجر الأكثر قسوة .. فجر سأذكره ماحييت ... فهو فجر اليوم الذي سأرى به وجهك المشرق لآخر مرة..
ومن بعدها سأعيش وحيد ... أرعى أخوتي وأمي التي سيمزقها فراقك ...
ياربي أقف الآن على باب رحمتك متوسلة ومتضرعة أن ترحمه وتعفو عنه وتصفح ...

أسأل الله أن يلهمنا الصبر والسلوان ويبدله داراً خيراً من دارنا .. وأهلاً خيراً منا
رحم الله جميع موتى المسلمين

فإن لم نلتق في الأرض يوماً وفرق بيننا كأس المنون
فموعدنا غداً بدار خلد يحيى فيها الحنون مع الحنون.....

فلتبكيك السماء يا أبي Y1pKTVsQoaQHhn6j8n6R2xS3nSDxCbHyrEbh9VYgs0hXqtj5kH9JlbRSiGoUdqO4zwdZ3FLdvDxCbI